تصدرت جمعية إسلامية خيرية في مدينة حماة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي للقيام بالعمل الخيري. فساعدت جميع الفقراء في مدينة حماة . بل قامت بعمل شبابي في ناد رياضي وثقافي ،فنشأ اجمل شباب في تكامل تربوي راق.
ثم كان لها فروع في معرة النعمان وادلب، وكان لها فرع أيضا في دمشق الفيحاء، فانتجت ثمارا يانعة.
ومن افضل العاملين في حماة السادة وجيه الاسود والحاج محمود الرواس وعبد الله السباعي وسليم الاحدب الذي نحن بصدده. (بقلم أ.د غسان حمدون)
ولادته و نشأته:
وُلِدَ المترجم له في مدينة حماة عام ( 1344هـ – 1925م ) ، لأبوين كريمين صالحين ، وكان والده يعمل في التجارة ، وله متجر لبيع المنسوجات ، وخاصة ماكان منها يدوياً محلياً ، لما عرفت به من جميل التصميم وإتقان الصنعة .
وقد رزق والده الحج مع والدته الصالحة السيدة صبرية بنت محمد خير حمامة مرات، وكانت لهما في ذلك همة عالية ، ومحبة غالبة ، وشوقٌ آسر .
و قد أُقعِدَ والده رحمه الله تعالى في آخر عمره لشلل تام أصابه ، فكان راضياً شاكراً حامداً ، وكانت وفاته بعد وفاة ولده المترجم له بسنتين .
وترك من العقب تسعة من الأبناء ، ستة ذكور ، وهم السادة : المترجم له محمد سليم – وهو أكبرهم – ، ومحمد منير ، ومهدي ، ومحمود ، وموفق ، وزهير ، وثلاث إناث هن السيدات : عشيرة ، وعدوية ، وظهيرة ، وكان لغالبيتهم ذكوراً وإناثاً الحظّ الوافر من التعليم ، وقد عرف منهم شقيقه الأوسط : الأستاذ الفقيه – الحافظ لكتاب الله تعالى – المحامي محمود الأحدب ، المستشار في وزارة الأوقاف .
دراسته وتحصيله العلمي :
اهتم الوالد بالمترجم له مبكراً ، ودفعه من صغره إلى تحصيل العلوم الشرعية ، فألحقه بمدرسة دار العلوم الشرعية ، التي كانت بإدارة العلامة الفقيه المربي فضيلة الشيخ توفيق الشيرازي الصباغ المتوفى عام (1391هـ ) ، فتتلمذ عليه وعلى نخبة من أفاضل علماء مدينة حماة وشيوخها .
وكان متفوقاً في دراسته وتحصيله ، وعُرِفَ بالجدّ والمثابرة والاستقامة ، وتزيا بزي أهل العلم وطلابه منذ تلك السن الصغيرة شأن سائر طلبة العلم يوم ذاك .
وبرَّز في مرحلة دراسته بدار العلوم الشرعية ، في علوم الفقه ، والعربية وآدابها ، والرياضيات .
وبعد تخرجه من دار العلوم الشرعية في حماة ، حثّه شيوخه لما رؤوا فيه من النجابة والحرص ، على الالتحاق بالمدرسة الخسروية في حلب ليتابع تحصيله ، وينهل ما شاء الله له أن ينهل من معين مدرسة كانت من أميز المدارس الشرعية في بلاد الشام وأعلاها في وقتها مناهج وشيوخاً وطلاباً .
ووجد الترحيب والتأييد والعون من والديه في هذا الأمر ، مع ما كان يعني ذلك من اغتراب ولدهم الأكبر عنهما وهو في أول شبابه ، ومشقة ذلك على نفسيهما .
ولما استعد للسفر وأخذ أهبته له ، ذهب مع والده رحمه الله لوداع كبير الأسرة – وكان من كبار وجهاء مدينة حمـاة وأثريائها – ، فلما علم وجهته و مبتغاه ، ثبَّطه وقلَّل من شأن العلم الشرعي وأهله ، فسمع من أبيه ومنه ما ينبغي أن يسمعه في الرد على مقالته ، وحمل هذا الموقف مزيد دفع ومضاء له فيما عزم عليه .
الشيخ محمد سليم الأحدب في صباه
المدرسة الخُسْرَوية :
كانت السنوات التي أمضاها بين جنبات الخسروية من آثر السنين عنده وأحفلها وأخصبها ، لما كان فيها من قوة بناء نفسه وعقله وروحه وسلوكه ، ولما تحقق له من التعارف والمعارف ما زاد صقلاً له وإنضاجاً .
وأقبل بكليته على الدرس ، وملازمة شيوخه الكبار ومشاممتهم ، فتعلم منهم الهدي والسَّمْت قبل العلم ، وكان محل محبتهم وتعاهدهم ورعايتهم ، إلى أن أكمل دراسته فيها ، وكان تخرجه منها عام ( 1368هـ-1948م ) ، وتابع تبريزه في علوم الفقه والنحو والبلاغة والعروض والسيرة النبوية ، وعُرِفَ بين أقرانه بدماثة خلقه ، ولطف معشره ، ومضاء عزيمته ، وتمام مروءته ، وحرصـه على عبادته ووقته ، كما شهر بينهم بالفصاحة والخطابة وقوة الحافظة ، وحسن الجدال ، والنفور من الخصام .
وقد أجازه من شيوخه الكبار خَلْقٌ ، وكان في مقدم من أجازه شيخه العلاّمة المحدّث المؤرخ المحقق الأديب الشيخ راغب الطبَّاخ الحلبي رحمه الله تعالى ( 1294 – 1370 هـ ) .
وهذا نص إجازته له بخطه كما جاءت في آخر نسخته من كتاب شيخه ” الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية ، ويليه : إجازات المختصر من مشايخه وترجمته لبعضهم ” :
” إن الأديب النجيب الشيخ سليماً بن السيد خالد الأحدب من أهالي مدينة حماة كان قد انتسب للمدرسة الخسـروية في حلب ، وقرأ عليّ فيها علم الحديث : الأربعين النووية ، والشمائل المحمدية للإمام الترمذي . وفي الجزء الأول من مختصر العلامة الزبيدي لصحيح البخاري إلى كتاب الوضوء ، وفي الجزء الثاني منه من أول البيوع إلى كتاب المزارعة ، وفي الجزء الثالث من أول من بدء الخلق إلى مناقب قريش ص 48 . وقرأ عليّ في علم المصطلح من أول نخبة الفكر للحافظ ابن حجر إلى النوع العاشر من أسباب الطعن وهو سوء الحفظ . وجميع شرح العلامة الزرقاني على منظومة البيقونية في علم المصطلح أيضاً وقرأ عليّ من كتابي الثقافة الإسلامية إلى أقسام الحديث ، وفي السيرة النبوية من أول ” نور اليقين ” إلى بحث الهجرة ، وفي علوم البلاغة المحرر في كتاب الدروس النحوية ، وفي كتاب الوجيز في الأدب العربي وغيره . وجميع رسالتي في علم العَرُوض ، قراءة دراية وتحقيق وبحث وتدقيق ” .
ثم ذكر ما سمعه منه من المسلسلات وغيرها ، ثم قال : ” وقد سمع مني بقراءة الشيخ عبد الأعلى العلبي جميع خطبة كتابي الأنوار الجلية … وقد أجزت الشيخ سليماً إجازة عامة بجميع مروياتي ومقروءاتي ومسموعاتي وذلك بالشرط المعتبر عند أهل الحديث والأثر . وبما حواه كتابي المتقدم الذكر من كتب الحديث والأثبات والمعاجم والمسلسلات وغير ذلك من كتب العلوم والفنون .. “
ثم كتب بخطه رحمه الله في نهاية الإجازة : ” كان ذلك بعد عصر يوم الخميس الموافق للثاني عشر من شهر صفر الخير سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها السلام والتحية ” .
شيوخه في مدينة حماة :
كان من أعيان علماء حماة وشيوخها في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري : الشيخ الأديب الشاعر حسن الرزق ، والشيخ السلفي المصلح سعيد الجابي ، والشيخ الفقيه محمد علي المراد ( الكبير ) – وكان الثلاثة على صلة بالشيخ سليم البخاري الدمشقي ، وكان عالماً مستنيراً ، واسع المعرفة ، يقظ الشعور والضمير ، يأخذ بفكرة الإصلاح الديني ومحاربة ما علق بالدين من بدع وخرافات – ، والشيخ المؤرخ أحمد الصابوني ( ت 1334هـ ) ، والشيخ المؤرخ البحاثة أحمد قدري الكيلاني ( 1886- 1980م ) ، والشيخ الفقيه محمد سعيد النعسان مفتي حماة منذ سنة ( 1344هـ – 1925م ) وحتى وفاته سـنة ( 1387هـ – 1967م ) ، وكان له من العمر ( 115 ) سنة – وكان قد اتصل بالشيخ العلاّمة المصلح طاهر الجزائري – ، والشيخ الفقيه الفرضي عبد العزيز بن أحمد بن سليم المراد ، أمين الفتوى بحماة نحو ثلاثين سنة ، والمتوفى عام ( 1385هـ – 1965 م ) عن ( 64 ) عاماً ، والقاضي الشيخ محمد خير الجابي ، ونقيب الأشراف الشيخ محمد مرتضى الكيلاني ، والشيخ الفقيه الصالح عبد القادر اللبابيدي ، والشيخ العلامة محمود العثمان ، والشيخ الفقيه زاكي الدندشي ، والشيخ العلامة الفقيه توفيق الشيرازي الصباغ ، والشيخ العلامة المجاهد محمد الحامد ، وغيرهم ، رحمهم المولى تعالى أجمعين .
وقد استفاد المترجم له من جُلِّ المذكورين ، بيد أن استفادته الكبرى كانت من ثلاثة :
الأول : الشيخ العلاَّمة المربي الفقيه الشافعي توفيق الشيرازي الصـباغ ، رئـس جمعية العلمـاء في حمـاة ، والمتـوفى عـام ( 1391 هـ ) عن ( مئة ) سنة .
الثاني : الشيخ العلاَّمة الفقيه الحنفي زاكي الدندشي .
الثالث : الشيخ العلاَّمة الرباني الفقيه الورع محمد محمود الحامد ، رحمهم المولى تعالى .
وبقي ملازماً لحلقة شيخه الحامد الصباحية في الجامع الجديد إلى وفاة الشيخ رحمه الله تعالى عام (1389 هـ ) .
شيوخه في مدينة حلب :
تتلمذ المترجم له خلال دراسته في المدرسة الخسروية في حلب على أعيان علمائها وشيوخها ، وفي مقدمة هؤلاء الشيوخ :
1- العلاَّمة الفقيه الأصولي اللغوي المفتي محمد أسعد العبجي ( 1306-1393هـ) .
2- العلاَّمة الرباني الفقيه الورع محمد سعيد الإدلبي ( 1288-1370هـ ) .
3- العلاَّمة الفرضي المقرئ محمد نجيب خياطة ( ت1387هـ ) .
4- العلاَّمة الفقيه الأصولي محمد إبراهيم السلقيني (1331-1422هـ)0
5- العلاَّمة المحدِّث المؤرخ محمد راغب الطباخ ( 1294-1370هـ) .
6- العلاَّمة المفسر الفقيه أحمد بن محمد الشماع ( 1290-1373هـ).
وظائفه وأعماله ونشاطه :
عمل المترجم له بعد تخرجه من المدرسة الخسروية في حلب عام ( 1368هـ- 1948م) ، في حقل الإدارة والتعليم ، فكان إدارياً ناجحاً موفقاً ، ومعلماً مربياً بصيراً ، ومن ضمن الإدارات المختلفة التي أسندت إليه ، إدارة مدرسة ملجأ الأيتام الإسلامي في حماة منتدباً من قبل وزارة المعارف عام ( 1959م ) ، وبقي مديراً لها إلى عام ( 1966م) ، وكانت فترة إدارته لها متميزة بالعطاء والتوسع والارتقاء والعناية التامة ، حتى غدت دُرّة المدارس في المدينة ، وانتسب إليها أبناء الأسر المعروفة في المدينة – ولم تكن حكراً على الطلاب اليتامى – ، لما عرفت به من التزام إسلامي صحيح ، ومنهج تربوي شامل ، ومستوى علمي رفيع ، وإدارة حازمة ناصحة .
وقد بلغ من عناية المترجم له رحمه الله تعالى في اليتامى وسهره عليهم : تربية وتثقيفاً وتعليماً وإكراماً وترويحاً وأنشطة ، ما كان مضرب المثل ، ومحل القدوة ، فكان رحمه الله تعالى لا يتناول طعام الإفطار في شهر رمضان إلا إذا أفطر الأيتام واطمأن عليهم ، ثم يذهب إلى منزله ليفطر مع أسرته .
وهكذا كان شأنه في العيدين والمناسبات كلها ، وكم كان يُرَى في ليالي الشتاء الشديدة البرد ، يدع فراشه في بيته ، ويذهب ليتفقد الأيتام وهم نيام في مهاجعهم ، ويتفقد حال المشرفين عليهم ، موجهاً ناصحاً محاسباً .
وكان يجيب كل محبيه الذين يشفقون عليه لما يروا من الإرهاق والنصب الذي يلقاه ، بقوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه : ” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا – وأشار بالسبابة والوسطى ، وفرّج ببينهما شيئاً – ” .
وبعد أن تُرِّكَ إدارة الأيتام بنحو عام ، نُقِلَ إلى العمل الإداري في مديرية أوقاف مدينة حمص لمدة عام ، ثم نُقِلَ إلى مديرية أوقاف حماة ، وبقي فيها إلى أن وافته منيّته رحمه الله تعالى .
وكان خلال عمله الإداري في مديرية أوقاف حماة ، يقوم بتدريس الفقه الحنفي في الثانوية الشرعية في حماة .
وما ترك الخطابة في مساجد حماة منذ استقراره فيها بعد تخرجه من المدرسة الخسروية ، وإلى أن وافاه الأجل ، فخطب في مسجد عبد الله بن سلام ، ومسجد السرجاوي ، ومسجد النوري ، ومسجد الشريعة ، وبقي خطيباً له منذ تأسيسه وإلى وفاته رحمه الله .
وعُرفت خطبه رحمه الله تعالى ، بوحدة الموضوع ، وتسلسل الأفكار ، وموضوعية الطرح ، والدعوة إلى التيسير والتبشير ، والاهتمام بالمرأة والشباب ، والحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كُلُّ ذلك بجزالة لفظ ، وبلاغة قول ، واستقامة لسان ، وشفافية روح ، و إشراقة نفس ، وحضور قلب ، وغلبة دمعة عين ، مع التزام بقصر زمن الخطبة ما حاد عن ذلك طيلة فترة خطابته .
تأسيس جمعية النهضة الإسلامية :
تداعى المترجم له وثلة من إخوانه من أهل العلم والخير والبذل عام ( 1372هـ-1953م ) ، وبتشجيع ومساندة من شيخه العلامة محمد الحامد رحمه الله تعالى ، إلى تأسيس ( جمعية النهضة الإسلامية ) ، وتكوّن مجلسها المؤسِّس كما في قرار إشهارها الرسمي ، من السادة :
1- وجيه بن محمد الأسود .
2- محمد سليم بن خالد الأحدب .
3- ممدوح بن عبد السلام الياسين .
4- محمود بن محمد الرواس .
5- فوزي بن مصطفى الحلاق .
6- ممدوح بن علي سلطان .
7- عبد الهادي بن شمس الدين صمصام .
8- قاسم بن مصطفى الروح .
9- عبد الله بن عبد القادر السباعي .
10- محمود داغستاني .
وكان نشاط الجمعية في أول أمرها واسعاً : خيرياً ، واجتماعياً ، وتعليمياً ، ودعوياً ، بيد أنها أُجبرت بعد سنوات قلائل على قصر نشاطها في المجال الخيري ، فنظموا أمرهم وأحكموه على ذلك ، وجعلوه متجهاً صوب :
أولاً : رعاية الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام .
ثانياً : رعاية المعوقين .
ثالثاً : التدريب المهني والتأهيل .
رابعاً : تنمية المجتمع والحد من البطالة .
خامساً : الرعاية الطبية .
سادساً : مكافحة التسول .
وحققت الجمعية في هذه المجالات كلها نجاحاً وتوفيقاً عظيماً سرى خبره إلى أرجاء المدن السورية ، فكان التوجه إلى تعميم هذا النموذج بأعماله وجديته وإخلاصه ومسؤوليته على المدن والبلدات الكبيرة ، فقام المترجم له وإخوانه من الأعضاء المؤسسين بجولات وجولات ، وذرعوا القطر جيئة وذهاباً ، والتف حول مشروعهم رجالات العلم والخير والعطاء في المدن المختلفة ، وتوالى تأسيس ( جمعية النهضة الإسلامية ) فيها تباعاً ، إلى أن وصل إلى ( القنيطرة ) ، و ( معرة النعمان ) ، و ( عفرين ) ، و ( حارم ) ، وغيرها .
وأعطى المترجم له رحمه الله ، كليته إلى ( الجمعية ) وأعمالها ومشاريعها ، حيث أُسند إليه أمر إدارتها بكل مرافقها منذ تأسيسها وإلى أن وافاه الأجل ، كُلُّ ذلك حِسْبَةً لله ومرضاة له ، وكان إخوانه يتنافسون في ذلك ، ويصلون الليل بالنهار ، حتى يتمكنوا من القيام بأعباء العمل المتسع على الوجه المرضي الذي يحقق غاياته .
وقد استفاد من مشاريع ( الجمعية ) المتعددة ، آلاف الأسر الفقيرة و المحتاجة ، وكانت المساعدات لها تقوم على دراسة ميدانية لأحوالها ومعرفة احتياجاتها ، فكانت التلبية شاملة منتظمة كريمة . وكان من وجوه المساعدة : تأمين العمل للقادر ، ومده بما يحتاجه ابتداءً ، ومتابعته . وكذا تمكين الفتيات من التدريب المهني وتأهيلهن ، إلى غير ذلك .
وكان نجاح ( الجمعية ) اللافت للأنظار : ( مكافحة التسول ) ، بما يشكل من ظاهرة اجتماعية سلبية ، مما دفع عدة جهات مختصة – حتى خارج القطر – للاستفادة من تجربتهم وطلب المساعدة منهم في ذلك .
وبعد وفاته بسنوات ، صدر قرار رسمي بضمها بالكلية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ، وتغيير اسمها ، والإشراف الحكومي عليها .
صفاته وأخلاقه :
يقول الحق سبحانه وتعالى : ” إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانـوا لـنا خاشعـين “ ( الأنبياء :90) ، هذه الآية الكريمة بما اشتملت عليه من الصور الثلاث :
1- يسارعون في الخيرات .
2- يدعوننا رغباً ورهباً .
3- وكانوا لنا خاشعين .
تتطابق مع حقيقة ما كان يتصف به المترجم له رحمه الله تعالى ، فكان قدوةً في المبادرة إلى عمل الخيرات والجد في تحصيلها ، ويردد على المسامع – و هو المعلّم المربي – :
– أنّ ذلك يورث محبة الله تعالى للعبد .
– وأنه يحصل به أنواع الخير في الدنيا .
– وأنه ينال به الأجر العظيم في الآخرة .
وأن من جملة ما وعد الله عز وجل به المتطوعين في أعمال البر :
1- العلم النافع .
2- والعبادة واستجابة الدعاء .
3- والنصر والنجاة .
4- و الهداية والأمان .
5- والرزق الطيب .
6- والثناء الحسن . إلى غير ذلك .
وإنَّ العارف القريب من المترجم له ، لمّا يقرأ ما جاء في الأثر الصحيح عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه من قوله : ” إن الله عزوجل خَلَقَ خلقاً من خلقه لخلقه ، فجعلهم للناس وجوهاً ، وللمعروف أهلاً ، يفزع الناس إليهم في حوائجهم ، أولئك الآمنون يوم القيامة “ ، لا يتردد في أنه رحمه الله تعالى من ذلك الخَلْق ، ومن تلك الوجوه ، وأنه من الآمنين يوم القيامة بمشيئة الله تعالى وفضله ورحمته .
ولو شاء المرء أن يذكر أهم ما كان يتصف به ويتحلّى في جُملٍ جامعة ، لذكر :
– إباء نفسه ، وأخذها بمعالي الأمور ، وكرهه لسَّفْسَافِها ، وترفعه عن الصغائر والترهات .
– إخلاصه وتجرده لله سبحانه ، وكثرة ذكره له ، وحسن ظنه به ، مع حضور قلب ، وخشوع نفس ، ونكران ذات .
– حبه للفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ، الذي ملك عليه نفسه ، فنذرها لمساعدتهم ، والتفاني في خدمتهم ، وأوقف حياته عليهم .
– سعيه الدائم لإصلاح ذات البين ، وتوفيق الله سبحانه وتعالى له في ذلك ، فكان في هذا متحققاً في قوله تعالى : ” لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً “ ( النساء : 114 ) .
– برّه بوالديه ، وأرحامه الأقارب والأباعد ، وجواره ، بخفوتٍ وسكونٍ وخفض جناح ، وكان منه في هذا ما يُدْهش ويُؤتسى .
– حفظه البالغ لوقته وعمره ، فبارك الله في حياته التي لم تمتد أكثر من (45) عاماً ، حتى يظن من يقف على أعماله وعطائه : اتساعاً وامتداداً وتنظيماً وأثراً ، أنه من المعمَّرين الذين كان تحت أيديهم فرقاء من المعاونين وما شئت من الامكانات والمسخرات ، فكان في هذا بحق : أمة في رجل ، يرحمه الله تعالى .
– تبنيه لمنهج ( الوسطية الإسلامية ) في أمره كله ، والدعوة إليه ، فكان رحمه الله في محاضراته وخطبه ودروسه ومواقفه وسلوكه ، يدعو إلى الرفق في الدعوة ، والتدرج في التغيير ، والتسامح مع المخالف ، والتيسير في الفتوى ، والبعد عن الغلّو والتنطع .
وكان يؤكد بحاله وقاله أن الإسلام يبني ولا يهدم ، ويجمع ولا يفرق ، ويحيي ولا يميت .
– جمعه في إدارته وتربيته وتعليمه ، بين الحزم واللين ، والثواب والعقاب ، وإلباس كل حال لبوسه ، فنجح في إداراته كلها ، ووفِّق في مسيرته التربوية والتعليمية .
وكان يؤمن أن أنجح التربية ، التربية بالقدوة ، فكان رحمه الله تعالى يجتهد ما وسعه الجهد أن يكون قدوة لغيره في أمره كله .
زوجته وأبناؤه وأصهاره :
في آخر المرحلة الدراسية في المدرسة الخسروية في حلب للمترجم له ، عرض عليه صديق عمره وزميل دراسته فيها ، فضيلة الشيخ الشهيد محمد الشامي رحمه الله تعالى ، الزواج من شقيقة زوجته ، وكانت على مقاعد الدرس يومئذ ، وهذا ما تم بعد سنوات قليلة من تخرجه ، فتزوج السيدة الفاضلة الصالحة الصابرة عائشة بنت عارف بني ، الحلبية المولد والنشأة ، الحسنية النسب . وكانت نعم الزوجة له ، والتي أعانته بصبرها واحتسابها وتجاوزها لبعض حقوقها ، على أن يقوم بواجباته الجسام ومسؤولياته الكثيرة خير قيام.
وكان رحمه الله تعالى يحفظ ذلك لها ، باراً بها وبأسرتها ، محباً لها ، مثنياً عليها ، معوضاً ما استطاع من انشغاله عنها .
ورزق منها بستة أبناء ، ثلاثة ذكور ، وثلاث إناث .
– وأكبر أبنائه : الدكتور خلدون ، وهو حاصل على درجة دكتوراه الدولة في السنة النبوية وعلومها ، وعمل أستاذاً في جامعة الملك عبد العزيز في جدة لأكثر من ربع قرن من الزمان ، وهو عضو مجلس أمناء جامعة مكة المكرمة المفتوحة ، ورئيس مجلسها العلمي ، وله مؤلفات عدة منتشرة في الحديث وعلومه ، والفقه الإسلامي ، والفِكْر .
– تليه : ابنته السيدة فاتن ، والمتزوجة من الحاج الصالح محمد سبيع كلبون .
– تليها : السيدة اصطبار ، والمتزوجة من الأستاذ الفاضل عبد الرحمن عصاية .
– يليها : الأستاذ محمد مأمون ، خريج كلية الاقتصاد والإدارة في جامعة حلب،وهو يعمل في مجال الإدارة في المملكة العربية السعودية .
– يليه : المهندس محمد أمين ، وهو حاصل على درجة الماجستير في الهندسة المعمارية من إيطاليا ، وهو يعمل في مجال اختصاصه في ( بلدية فينسيا ) في إيطاليا .
– وآخر الأبناء : السيدة عبير ، والمتزوجة من ابن عمها المهندس الفاضل وليد بن منير الأحدب .
وكان المترجم له رحمه الله حريصاً على تربية وتعليم وتهذيب أبنائه ، فكان على كثرة أشغاله واتساع مهامه ، لا يفوِّت فجر كل يوم بعد أداء الصلاة جماعة ، من جمع الزوجة والأبناء لتلاوة القرآن الكريم وإتقان تجويده ومدارسته ، حريصاً كل الحرص على ذلك غير متساهل فيه .
وقد أصيبت زوجته الصالحة بمرض في القلب لم يمهلها طويلاً،حيث وافتها المنية عام (1399هـ-1979م ) عن ( 43 ) عاماً ، رحمها الله تعالى .
مرضه ووفاته :
اشتكى المترجم له قبل وفاته رحمه الله تعالى من آلام مبرحة في رأسه ، وكانت في ازدياد مستمر ، ولما تم إجراء الفحوصات المطلوبة ، تبين أنه مصاب بورم غير حميد فيه ، واجتهد الأطباء في إزالته عن طريق التدخل الجراحي الدقيق ، إلا أن القدر المحتوم لم يمهله ، فوافته منيته في العشرين من شهر نيسان عام ( 1970م – 1390هـ ) ، عن عمر لم يتجاوز الخامسة والأربعين سنة .
ولما ذاع نبأ موته ، لفّ الحزن مدينة حماة ، وشيعه أهلها في جنازة مشهودة ، وحضرها إخوانه ومحبوه من مختلف أنحاء سورية ، وحزنوا على فقده حزناً عظيماً ، وكان بكاء الفقراء والمساكين والأرامل واليتامى عليه بخاصة ، كبكاء أهله ، فإنهم كانوا أهله ، وكنتَ تسمع في جنازته وبعدها قول بعض الأرامل : اليوم بوفاة الشيخ سليم أرملنا ثانية ، ويبكينه بكاء مُرَّاً.
___________________________________________________________________
كاتب الترجمة: محمد خلدون الأحدب